يمكن للمبحر في سجلات المحكمة الشرعية في القدس أن يعيش تفاصيل مرحلة زمنية بعيدة، فقد كانت السجلات توثق حتى أيام العُطَل فتقول إن اليوم عيد والمحكمة لم تسجّل فيه شيئا، كما يمكن عبرها الاطلاع على السلوك الإنساني والعادات والتقاليد وكأن القارئ يحيا في ذلك العصر.
بيت لحم- تُعدّ محكمة القدس الشرعية الثانية بعد محكمة إسطنبول الكبرى، التي تعمل على أرشفة السجلات العائدة إلى زمن الدولة العثمانية التي حكمت فلسطين قرابة 400 عام، وذلك وفق البروفيسور إبراهيم ربايعة أستاذ تاريخ القدس في العصر العثماني بجامعة القدس المفتوحة. وكانت هذه واحدة من مجموعة محاكم شرعية في فلسطين، مثل محكمة نابلس، ومحكمة الخليل، ومحكمة يافا، ومحكمة حيفا وغيرها، وهي ضمن سلسلة مماثلة انتشرت على امتداد الدولة العثمانية.
ولكن ما يميز محكمة القدس الشرعية، وفق ربايعة، هو أنها تحتفظ بكامل أرشيفها بشكل متسلسل، ويومي، منذ عام 1550 حتى عام 1917. يقول الأستاذ الدكتور ربايعة للجزيرة نت “هناك 1500 وثيقة وجدت أيضا في سجلات المحكمة من العصر المملوكي، ولكن عند مجيء الدولة العثمانية، وخاصة في عهد السلطان سليمان القانوني، بُدئ العمل على أرشفة كل وثائق الدولة بطريقة علمية”، كما أن الدولة العثمانية احتفظت بأرشيفها منذ نشأتها، وهو ما يميزها عن بقية الدول الكبرى الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا.
ويبيّن ربايعة أن سجلات محكمة القدس الشرعية كانت تحوي كل القضايا اليومية من أحداث اجتماعية واقتصادية وأمنية وتعيينات وغيرها، وفيها كل التفاصيل اليومية لمن عاش في المدينة من المسلمين ومن طوائف أخرى كالمسيحيين واليهود. ولم تتعرض سجلات محكمة القدس الشرعية للتلف أو الاعتداء، كما حدث في نابلس أو الخليل مثلا التي شهدت فترات توتّر وموجات غضب تعرضت خلالها المحاكم للنهب والحرق، وهو ما لم يقع في القدس.